الأربعاء 2014/07/30

آخر تحديث: 23:47 (بيروت)

غزة: نكبة جديدة

الأربعاء 2014/07/30
increase حجم الخط decrease

ما تقوم به الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة لا يرقى الى مستوى المقاومة. هو مجرد دفاع عن النفس بأبسط اشكاله الانسانية وأعمق معانيه الاخلاقية. دفاع عن الحق في البقاء والوجود لا أكثر ولا أقل. وأي جدال في تلك الحقيقة المجردة، يؤدي الى خلل اضافي في موازين القوى مع العدو الاسرائيلي، التي كانت وستظل تعتمد على حصاد الدم وحده.

هكذا بدأت الحرب الحالية على تلك البقعة المعذبة من أرض فلسطين، وهكذا امتدت طوال اكثر من ثلاثة اسابيع، وحطمت ارقاما قياسية في معدلات الشهداء والجرحى والمنكوبين الفلسطينيين، مثلما خرقت النسب التقليدية لعدد القتلى والجرحى الاسرائيليين، ولنوعية العمليات العسكرية الجريئة التي نفذت ضد مواقع العدو وتحصيناته المنيعة.

لم تعد حرباً. لم تكن كذلك أبدا. ومن غير الجائز ان تطلق عليها تلك الصفة بغض النظر عن ذرائعها. هي حملة عسكرية اسرائيلية على نحو مليوني انسان أعزل. بدأت بضرب سلسلة من الاهداف الأمنية التي سرعان ما استنفدت، ثم تحولت الى واحدة من أسوأ وأعنف عمليات الابادة التي نفذها الاسرائيليون بحق الشعب الفسطيني في تاريخ الصراع ، هدفها النهائي إنتزاع توقيع من القيادة السياسية الفلسطينية وثيقة استسلام تام، تنص، كما بات معروفا، على تجريد القطاع من اي سلاح واي موقف.

ما زال يمكن استدراك خطأ القول ان الدفاع المجرد عن النفس يصنف كفعل مقاوم، ويجيز استخدام عبارة الحرب، لكن ذلك لن يحمي القطاع ولن ينقذه من مصير قاتم، يندفع العدو في اتجاهه استنادا الى معطيات لا تخطىء، ولا يمكن تغييرها، لسوء الحظ، الا اذا ارتكب الاسرائيليون أنفسهم أخطاء عسكرية او سياسية فادحة.. تفرض عليهم وقف حملتهم، التي يبدو انه ليس هناك قوة خارجية راغبة او قادرة على المساهمة في وقف تلك المذبحة المروعة.

منذ اللحظة الاولى كان واضحا ان العدو اتخذ قرار شن حملته العسكرية بناء على قراءة دقيقة للغاية للوضع المصري خاصة والعربي عموما. وكان جليا ان الاسرائيليين يشعرون الان، وربما اكثر من اي وقت مضى في حملاتهم على الشعب الفلسطيني، بانهم إنما ينفذون قرارا مصريا وعربيا بتصفية القطاع وإزالة شبهته الاسلامية المنكرة والمنبوذة.

كان من الظاهر ايضا ان الاسرائيليين لا يعملون على شطب الهوية السياسية لقطاع غزة، بناء على رغبات مصرية او عربية محددة، بقدر ما كانوا يسعون الى تحطيم آخر بندقية فلسطينية مرفوعة على أرض فلسطين التاريخية، اكتسبت في العقدين الماضيين شرعية سياسية لا شك فيها. وهم يفترضون انها ستكون آخر البنادق التي يمكن ان يرفعها الفلسطينيون بالمطلق.. مع ان الصراع سبق ان شهد مثل هذه التجارب، وكان الشتات الفلسطيني اكثر من مرة هو خشبة الخلاص، او بالاحرى حامل راية الدفاع عن النفس.

 ولن يتأخر الشتات هذه المرة ايضا.

 لا تختلف الحالة الراهنة عن النكبة الاولى، لا في المذابح ولا في التصدي الفلسطيني البطولي ولا في الخذلان العربي ولا في التواطوء الدولي( الغربي والروسي). ربما صارت الارقام اكبر بكثير والاسلحة أشد فتكا من ذي قبل. لكن عواصم دول الطوق خاصة هي إما شريكة او شامتة كما كانت قبل نحو سبعين عاما، وكذا الامر بالنسبة الى معظم العواصم العربية التي خرقت مؤخرا آخر المحرمات عندما مدت يدها الى العدو وربتت على كتفه حتى اثناء حملته على القطاع.

الفارق الوحيد ربما عن النكبة الاولى هو ان المذبحة السورية والعراقية الحالية أباحت ضمنا المذبحة الاسرائيلية ووفرت جواً من التسامح تجاهها لدى الرأي العام العربي والاجنبي الذي لم يجد غضاضة في عقد المقارنات، وحتى في فتح بورصة موحدة للدم الفلسطيني والسوري والعراقي.. ليصل الى الاستنتاج بان العدو لم يدخل في منافسة مع النظام في دمشق او في بغداد الا في الايام القليلة الماضية عندما رفع عدد الضحايا الفلسطينيين الى اكثر من مئة في اليوم الواحد..بعدما ظل الرقم يتراوح بين الثلاثين والخمسين، في الاسابيع الثلاثة الاولى من حملته الراهنة على القطاع.

ليست غزة اليوم سوى مشروع نكبة جديدة.. لن تظل إرتداداتها محصورة بأرض فلسطين.  

 

 

increase حجم الخط decrease