الإثنين 2014/07/21

آخر تحديث: 13:14 (بيروت)

الرواتب و"حروب" السياسة

الإثنين 2014/07/21
الرواتب و"حروب" السياسة
تصل حصة الرواتب والأجور في القطاع العام من إجمالي نفقات موازنة الدولة إلى 37 في المئة
increase حجم الخط decrease

 

 

"الضرب في الميت حرام"، هكذا يقول المثل الشعبي الذي ينطبق جملة وتفصيلاً على حال الدولة اللبنانية اليوم، وهي التي يتناتشها الكيد السياسي في كل ملف، من سلسلة الرتب والرواتب إلى تفريغ أساتذة "الجامعة اللبنانية" مروراً بفضائح الكهرباء والماء وصولاً إلى رواتب القطاع العام.

 

في كل مسألة لا يمكن إلا أن يبرز رأيان متعاكسان بين المعسكرات السياسية التي اختلطت تحالفاتها فإن قال طرف أن الأولوية للانتخابات الرئاسية رد الآخر بأن مصير الرئاسة أهم، وقس على ذلك من مناكفات وتحديات لا توصل أصحابها إلى أهدافهم ولا تمنح الناس حقوقهم الطبيعية.

 

قبل فترة حذر سياسيون من أن لبنان سيكون على موعد مع استحقاقين ماليين مهمين، الأول تسديد ديون مستحقة والثاني دفع رواتب القطاع العام. كان الرأي حينها أن الحكومة قادرة عبر إصدار مراسيم إخراج البلد من المأزق، لكن وزير المال علي حسن خليل يصر على أن هذا الخيار، وإن اعتمد في حكومات سابقة، لكنه يبقى غير قانوني.  

 

المخرج المقترح يقضي بإقرار الموازنة لتدبير الرواتب العامة، لكن تمرير الموازنة المحالة إلى الحكومة لإقرارها يشترط إقرار كل الموازنات السابقة وقطع الحسابات، ما سيعيد فتح أبواب واسعة لنقاش لا ينتهي ومماطلة جديدة تمتد شهوراً ليحرم غالبية الموظفين من رواتبهم في آب وأيلول وربما ما بعد ذلك، وإذا ما طال ذلك إلى أيلول فإن نحو 160 ألف موظف مهددون بعدم قبض رواتبهم.   

 

بالنسبة لـ"بنك باركليز" الاستثماري لا قيمة حقيقية لمشروع الموازنة المقترح، والذي يقدّر العجز بنحو 10.7 في المئة من الناتج، في ظل التعطيل المؤسساتي القائم، والمصرف ذاته أشار إلى أنه لا يتوقع إقرار الموازنة في وقت قريب. وتصل حصة الرواتب والأجور في القطاع العام من إجمالي نفقات موازنة الدولة إلى 37 في المئة، على أساس أن مجموع الرواتب والأجور 8120 مليار ليرة من أصل إجمالي الإنفاق الملحوظ في مشروع موازنة العام 2014 والبالغ 21927 مليار ليرة.

 

الكباش بين تيار "المستقبل" ووزير المال مستفحل إلى درجة أن الطرفين يشتريان الوقت لاتهام بعضهما البعض وتسجيل نقاط في السياسة، فخليل يرفض دفع الرواتب من دون قانون ويحمّل مَن يعيق إقرار القانون في مجلس النواب المسؤولية أيضاً.

 

والحال هذه، فإن مصادر مالية مطلعة على ملف الرواتب اعتبرت أن المشكلة الأساس تكمن في السياسة التي تنعكس على كل المواضيع مالية كانت أم اقتصادية أو اجتماعية. ولفتت المصادر في دردشة مع "المدن" إلى أن الإعتمادات متوفرة في الخزينة، وشددت على ان "الرواتب نفقة دائمة ويجب ان تدفع، خصوصاً أنّ موادَ قانونية تجيز دفعها،" متسائلة عن جدوى التلويح والتهويل بعدم الدفع.

 

بالنسبة لـ"المستقبل"، فإن القرار المبدئي حتى الآن هو بعدم إقرار القانون أولاً، وتحميل وزير المال مسؤولية أي تلكؤ في دفع الرواتب ثانياً. ولكن في المقابل، فإن خليل يبدو حاسماً أيضاً في رفض الرضوخ لأي ابتزاز، مع الإصرار على عدم مخالفة القانون. يذكّر منتقديه دائماً أن موقفه هذا ليس مستجداً، وهو كان قد أعلنه بوضوح منذ لحظة استلامه وزارة المالية.

 

"العرف" الذي يتيح تمويل المستحقات الطارئة من خلال سلفة خزينة، أو من خلال اعتماد المادتين 26 أو 59 من قانون المحاسبة العمومية، مرفوض من وزير المال الذي ينظر إلى الأمر على أنه تكريس للخطأ ولا يريد تحمله، ملوّحا في أكثر من  تصريح إلى استعداده للتخلي عن كرسيه مقابل عدم التراجع عن رأيه، ما يُنظر إليه على أنه من باب المزايدة لا أكثر. لكن معنيين يرون أن نص المادة التي تجيز استعمال احتياط الموازنة لدفع النفقات الطارئة لا ينطبق على بند الرواتب، علماً أن المبلغ المتوفر في بند الاحتياط ليس كافياً لتغطيها في الأساس.

 

لا يذكر اللبنانيون من أحلك أيام حربهم الأهلية أن موظفي القطاع العام لم يقبضوا رواتبهم، إلا أنهم باتوا يعرفون في أيام "حروب السياسة" أشكالاً وانماطاً من المعارك التي تنتهك معيشتهم عند كل محطة. وبين اعتبار خليل دفع الرواتب بسلفة خزينة مخالفة، واعتبار "المستقبل" أن التشريع قبل انتخاب رئيس للجمهورية مخالف، يدفع الموظفون الثمن. والطامة الكبرى أنّ المخالفة عندنا تحدد وفق  المصلحة السياسة وليس وفق القانون.

increase حجم الخط decrease