الأربعاء 2014/07/30

آخر تحديث: 13:52 (بيروت)

"ماسيف أتاك" أنجزت مهمّتها في جبيل

الأربعاء 2014/07/30
increase حجم الخط decrease

قبل وصولها إلى "مهرجان بيبلوس" أمس الثلاثاء، كانت فرقة "ماسيف آتاك" البريطانية (تشكلت في مدينة بريستول العام 1988) أعلنت، خلال حفلة في دبلين الإيرلندية الخميس الماضي، تضامنها مع الفلسطينيين في غزة. وهذا ليس غريباً عن مواقفها السابقة، بدءاً من حرب الخليج حتى مقاطعتها الاحتلال الإسرائيلي. إذ واظبت على معارضة السياسة البريطانية، ولم تتردّد في رفضها، والتحذير من نتائجها. ها هي، مرة جديدة، تعلن تضامنها في جبيل، مع غزة الفلسطينية، كما لم تنس السوريين والعراقين، لا سيما مسيحيي الموصل، شاهرة  قضاياهم على الملأ. ربما، هذا ما يتقاطع مع النوع الموسيقي، الذي أرادته منذ ألبومها الأول Blue Lines (1991)، بحيث خلطت فيه مجموعة من الأساليب اللحنية المعترِضة، مثل البانك والروك والموجة الجديدة، منتجة موسيقى الـ"تريب-هوب"، التي لطالما ارتبطت نشأتها بمدينة بريستول، قبل رواجها في العالم، واستخدامها في السينما.

جاء عرض "ماسيف آتاك" موسيقياً وبصرياً في الآن ذاته، خصوصاً مع استعمال المؤثرات الضوئية، التي توازنت مع الإيقاعات بصخبها وهدوئها على السواء. فالفرقة أخذت الحاضرين في رحلة، جهاتها متفاوتة بحسب الصلة المعقودة بين الآلات، سوى أن ذلك لا يمنع من القول أن العنصر الإلكتروني ظل طاغياً، بالإضافة إلى الصوت، الذي يخرج، في الكثير من الأحيان، قوياً كي يحمل الأغنيات إلى نهاياتها. وعليه، ليست رحلة الفرقة واحدة، بل إنها متبدلة، أو متغايرة على وجه الدقة، وهذا، ما تشترطه، في كل الأحوال، المهاجمة، التي تعتمدها "ماسيف آتاك" في أدائها المعالج للكثير من المواضيع. فيظهر أعضاء الفرقة كما لو أنهم عصبة من المداهمين، الذين تسلّلوا إلى ليل مدينة جبيل اللبنانية، وأنجزوا مهمّتهم على وقع التصفيق والصفير المتواصلين.

لقد كانت مهمة الفرقة صعبة، لا سيما أن أعضاءها بدوا في أكثر من أغنية كأنهم على صراع مع فوات الموسيقى، التي اتسمت بالجريان ومع فوات الصوت، الذي في حال أراد المستمع تعيين موقعه، يلاحظ أنه غالباً ما يحضر كصمام لضغط الصخب كي لا يتقدم إلى الأمام. بالتالي، كان الصوت الغنائي كآلة منظمة للألحان، يتيح لها أن تتكاثر في خلفه، لكنه، وفي الوقت نفسه، إما يقتحمها أو ينوب عنها. ذلك، أن الغناء يتردّد في الأنغام الإلكترونية، يجمعها ليشتّتها، مثلما أنه يليِّنها كي يركزها. إذاً، ثمة معركة مع الفائت في الحياة اليومية، تحاول الفرقة التغلب عليه، ذلك بالتعبير عنه بالطبع، لكن بمسرحته الموسيقية أيضاً، حيث أن الغناء يسعى إلى الإمساك باللحن، وإبعاده عن التهوّر. فـ"الأتاك" (الهجوم) كي يتم، عليه أن يتحرك بروية، وذلك، لا يلغي أن الأغنيات تألفت بالمجازفة أيضاً.

في النتيجة، ليست رحلة "ماسيف أتاك" مجرد "تريب" أو رحلة موسيقية سهلة، لأنها تتطلب من أعضاء الفرقة التروي في التأليف الإيقاعي، وفي الغناء، على الرغم من بروزها العفوي والصاخب. كما أنها تشترط على الحاضرين الذهاب فيها من دون أن يخشوا هدير المعدن أو تلاطمه الإلكتروني، أو الإنسحاب من وسط الأغنية، والاكتفاء بالإستماع إليها من الخارج. ذلك، أن الفرقة برعت في توريط الجمهور في أعمالها، ودفعتهم إلى التفاعل معها بالحركة تحت الأضواء وفيها. إذ شكلوا جزءاً من عرضها، لأنها تتوجه إليهم لا كآذان فقط، بل كأشخاص يعيشون ما تغنيه، أو يشعرون بما تعزفه. الفرقة لم تغض النظر عن القضايا. فخلال العرض، وانطلاقاً من الشاشة الخلفية، ومن الغناء، كانت إشكاليات الشرق الأوسط تتوالى، من تهجير مسيحيي الموصل على أيدي "داعش"، إلى قتل الفلسطينيين على يد الإرهاب الإسرائيلي، مروراً بسوريا وحربها، بالإضافة إلى لبنان ومسائله الداخلية. دعت "ماسيف آتاك" إلى التضامن مع المظلومين في أي بلد كان، وإلى المطالبة بحقوقهم، كما دعت إلى التحرّر من الأنظمة ومن أنماط العيش التي تفرضها. من هذه الناحية، تفاعل الجمهور مع الفرقة، وصار جزءاً من رحلتها، التي أنجزت، أمس، على أكمل وجه وإيقاع... أي على وجه الحرية وإيقاعها.

increase حجم الخط decrease