الخميس 2014/07/31

آخر تحديث: 14:05 (بيروت)

فاتي أكين أول مخرج تركي يصوّر إبادة الأرمن

الخميس 2014/07/31
increase حجم الخط decrease

الإبادة الأرمنية تعود مجدداً إلى الضوء مع فيلم "قطع" الذي سيعرض في مهرجان البندقية المقبل (27 آب - 6 أيلول) ضمن المسابقة الرسمية، على أن تفتتح عروضه التجارية بدءاً من ألمانيا في 16 تشرين الأول المقبل. لكن، خلافاً للمرات الماضية، فإن ما يميّز الفيلم هذه المرة هو أنه بتوقيع مخرج تركي. وهذا المخرج التركي ليس فناناً مغموراً يبحث عن فرصة للفت الانتباه! هو واحد من أشهر السينمائيين الأتراك: فاتي أكين الذي سبق له أن نال جائزة السيناريو في "مهرجان كانّ السينمائي" وجائزة "الدبّ الذهب" من برلين، المهرجان الذي يقام في ألمانيا، بلد أكين الثاني بعد تركيا. 


"القطع" كان منتظراً في الدورة الأخيرة من "كانّ"، أو على الأقل كان مرشحاً ليعرض في المهرجان الفرنسي الشهير. لكن، فجأة، قبل إعلان التشكيلة الرسمية، نقل عن أكين أنه يفضل عدم المشاركة "لأسباب شخصية"، فاتحاً باب التخمينات واسعاً. حاول المهتمون معرفة الدافع خلف هذا الاعتذار عن المشاركة في المنبر السينمائي الأهم: فهل الفيلم لم يكن منتهياً بعد وفضّل أكين المراهنة على عامل الغموض والترويج له بهذه الطريقة؟ أم أن السلطات التركية ضغطت عليه، خوفاً من أن تُكشف تفاصيل جديدة عن الإبادة التي لم تعترف بها تركيا إلى اليوم، إبادة تدخل العام المقبل عامها المئة.


وللضغوط الديبلوماسية في عالم السينما والمهرجانات تاريخ غير ناصع. فكيف إذا تعلق الأمر بقضية رأي عام يسعى ورثة الدولة العثمانية الهروب من المسؤوليات المترتبة عليهم من جرائه؟ من منا لا يتذكر النحو الذي استقبل به فيلم "أرارات" لاتوم ايغويان عند عرضه الصاخب في "كانّ" العام 2002 من جانب الصحف التركية؟ السلطات التركية كانت دائماً تلجأ إلى أسلوب الضغط عبر سفاراتها لسحب الأفلام التي "تسيء" إلى صورتها. وأشهر مثال هو فيلم "قطار منتصف الليل" لألن باركر، وإن كان الطرح الذي جاء به هذا الفيلم مبالغاً فيه (كتب السيناريو أوليفر ستون وعاد اعتذر عن الإساءة التي تضمنها).  


عندما التقيتُ أكين في مراكش أواخر العام الماضي، كان شديد التكتم ولم يرد الإفصاح عما يتضمنه الفيلم، أو قصته. اكتفى بالقول إنه عن أب يبحث عن أولاده خلال الحرب العالمية الأولى. وكان يأمل أن يكون جاهزاً لمهرجان "كانّ" وأن تقبله الإدارة وألا يتعرّض لأزمة كبيرة. أزمة؟ عندما سألته عنها، لم يرغب في التعمق كثيراً، نظراً لحساسية الموضوع الذي يتناوله، معترفاً بأنه لم يبلغ بعد مرحلة يكون فيها راضياً عن الفيلم. بجملة واحدة، أراد تلخيص الفيلم: "هيّئ نفسك لمفاجأة!".


في أي حال، هذا المخرج الأربعيني لم يخفِ يوماً انحيازه للقضية الأرمنية، شأنه شأن عدد من المثقفين الأتراك وفي مقدمهم الكاتب أورهان باموك. حتى خلال احتجاجات اسطنبول العام الماضي، لم يكتف أكين بالتفرّج، فبعث برسالة مفتوحة إلى الرئيس التركي عبد الله غول يقول فيها: "أخاطب ضميرك: أوقف هذا الجنون". 


إذاً، نحن أمام عمل سيُسيل الكثير من الحبر في الأشهر المقبلة. وواقع أنه يأتي بتوقيع تركي، فهذا يمنحه "شرعية" ما، افتقدها فيلم إيغويان - الأرمني الكندي. أما عن فريق الفيلم، فلم يستعن أكين بأسماء عادية، إذ أنه اختار الأميركي من أصل أرمني مارديغ مارتن (1936) للمشاركة في كتابة السيناريو، وهو الكاتب الذي سبق أن عمل على ثلاثة أفلام لمارتن سكورسيزي، منها "الثور الهائج". عاد مارتن إلى الكتابة، بعد اعتزاله، فقط إرضاء لرغبة أكين الذي يعتبر العمل مع أي شخص مقرّب من سكورسيزي بركة واعتزاز. هناك سبب آخر لاختياره مارتن: كان أكين يبحث عن كاتب أميركي، لأسباب من المرجح أنها مرتبطة بكون أكين يريد تقديم فيلم وسترن نفسه أميركي.


"القطع" الذي حظي بموازنة 15 مليون يورو، يبدو أنه سيكون خلاصة ثلاثية فاتي أكين عن الحبّ والموت والشرّ. التقطت المشاهد في بلدان عدة، منها ألمانيا وكوبا وكندا والأردن، وهو من بطولة الممثل الفرنسي الجزائزي طاهر رحيم، وناطق بلغات عدة أبرزها الإنكليزية. ويؤكد أكين أن هذا المشروع يسكنه منذ فترة طويلة، ويحمله في أحشائه منذ سبع سنوات على الأقل، وها هو يتحقق أخيراً.  


أكين الذي يردّد أنه ابن جون لينون ووالده سكورسيزي، لا يذكر سوى أب سينمائي واحد كمرجع له عند الحديث عن السينما التركية: يلماز غونيه، المخرج الكردي المعتقل والمضطهد الذي فاز بـ"السعفة الذهب" في "كانّ" العام 1982 عن رائعته "يول". لا يميل إليه بسبب خطّه السياسي، فهو ممّن يعتقدون بأن هذا الالتزام أضرّ بسينماه، لكن بسبب تلك الروح التركية التي أمعنت فيها أفلامه. يقول: "غونيه أنجز أفلاماً استثنائية وأشياء لم تسبق لنا أن رأينا مثلها في السينما من قبله. لا أستطيع أن اتذكر أي فيلم يرتقي الى مستوى فيلم مثل "أركاداش"(1974). ربما يجب البحث عند بازوليني. غونيه ملهمي. لكني لم أقتفِ خطاه، ولا أريد أن أكون على خطاه، ولا أريد أن أكون على خطى أحد". 

increase حجم الخط decrease