الثلاثاء 2014/04/22

آخر تحديث: 06:49 (بيروت)

روسيا "تُطهر" إعلامها من المستقلين

الثلاثاء 2014/04/22
روسيا "تُطهر" إعلامها من المستقلين
في مكاتب موقع "لنتا" الذي تم "تطهيره" من منتقدي السلطة
increase حجم الخط decrease
  بدت الأزمة الأوكرانية الروسية إمتحاناً للحريات الروسية. والأصح القول إنها محنة للإعلام الروسي المستقل، إذ أودت بحرية آخر المؤسسات الإعلامية المستقلة، وكثفت ما يمكن أن يسمى بموسم هجرة الصحافيين الروسيين إلى خارج البلاد.. وبل أكثر من ذلك، دفعت بعضهم إلى تغيير مهنتهم. ولا يبدو أن السلطات الروسية تتردد في فرض رقابة على مواقع التواصل الإجتماعي والمدونات التي نشطت كثيراً منذ التظاهرات المعارضة للرئيس فلاديمير بوتين العام 2011، وتعمل السلطة المشرفة على وسائل الإعلام الروسية "Roskomnadzor" ليل نهار على مراقبة كل حرف يكتب وينشر ويبث في وسائل الإعلام الحديثة والتقليدية.

وها هو مؤسس موقع "في كونتاكتي" الروسي الشهير للتواصل الإجتماعي، بافيل دوروف، يعلن أنه تم كف يده عن إدارة الموقع، وأن الموقع بات تحت سيطرة إثنين من الموالين لبوتين. وكان مؤسس "في كونتاكتي"، الذي ينشط عليه أكثر من مئة مليون مستخدم من روسيا ودول إتحاد السوفياتي السابق، قد باع، في بداية العام، حصته في الموقع، واستمر فيه كمدير عام، وواجه مضايقات متزايدة منذ ذلك الحين. وكان، قبل أيام قليلة، قد ذكر أن جهاز الأمن الفدرالي الروسي طلب من الموقع، في كانون الأول الماضي، تسليمه البيانات الشخصية لمنظمة مجموعة "يوروميدان" التي أنشئت عبر الشبكات الإجتماعية لتنظيم الإحتجاجات الموالية لأوروبا وأدت إلى سقوط الرئيس الأوكراني الموالي لروسيا فيكتور يانوكوفيتش. وأوضح دوروف أن "القانون الروسي لا ينطبق على المستخدمين الأوكرانيين لـ"في كونتاكتي" ونقل بيانات شخصية لأوكرانيين إلى السلطات الروسية لن يكون مخالفاً للقانون فحسب، بل سيشكل أيضا خيانة لملايين الأوكرانيين الذين منحونا ثقتهم".
 
حصل ويحصل كل هذا، بعدما أعلنت روسيا حرباً إعلامية منذ أكثر من شهرين، لتغطية حربها على أوكرانيا، وأطلقت رصاصة بداية الحرب الإعلامية، داعية الإعلام الروسي إلى "الوحدة الوطنية لمواجهة الفاشيين الذين استولوا على السلطة في كييف". في حين تعيش غالبية وسائل الإعلام المستقلة تحت ضغط غير مسبوق من قبل السلطات الرسمية، التي تراقب كل خبر ينشر في الإعلام، إضافة إلى تزايد القمع مع الأزمة الأوكرانية والألعاب الأولمبية. 
 
وتلَت ذلك اتهامات متكررة من سلطات روسية، رسمية وغير رسمية، للإعلام الغربي بتشويه ما يجري في أوكرانيا. وانتقد وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، تغطية وسائل الإعلام الغربية للأحداث في أوكرانيا. وطبعاً، في المقابل، يتهم الغرب، لا سيما أميركا، روسيا بالتعتيم على حقيقة ما يجري في أوكرانيا. وها هو ريك ستينغل، وكيل وزارة الخارجية الأميركية لشؤون العلاقات العامة والديبلوماسية، ورئيس التحرير السابق لمجلة "تايم"، يقول في مقابلة مع "سي أن أن" إن "الإعلام الروسي يشن حملة دعائية منظمة فريدة من نوعها تعكس القوة الهائلة التي كان يبنيها عبر جهازه الدعائي طوال عقد من الزمن".
وقال أن "الروس كانوا طوال السنوات الماضية، يبنون جهازهم الدعائي، وما نراه حاليا عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي هو حصيلة مجهودهم لبناء البروباغندا طوال عقد من الزمن. لديهم قنوات تعمل بالإنجليزية ونحن نتسامح مع وجودها في الولايات المتحدة بينما أوقفت موسكو عمل "صوت أميركا" على الأراضي الروسية".

ويعود ستينغل ليلفت إلى "تأسيس الوزارة "قوة عمل أوكرانيا" وهي تجمّع إعلامي ناطق بالروسية وموجّه إلى الروس، من أجل توضيح ما يجري لهم، بدلاً من الدعاية الروسية التي تغرقهم، لقد كانت لدى الروس خطة يطبقونها منذ عشرة أعوام ونحن نرى تأثيرها اليوم".
 
لكن، إضافة إلى معارك روسيا مع الإعلام الخارجي، ها هي السلطات تشن حرباً على إعلامها المستقل، أو ذلك الذي يتمتع بهامش حرية، علماً أن الضغوط الرسمية على الإعلام الروسي، ليست جديدة، لكنها تكثفت في الأشهر الأخيرة. ويعتبر"تلفزيون ريين"- Rain tv آخر ضحايا المؤسسات الإعلامية المستقلة التي أعلن قرار إقفالها، وسبقها الموقع الإلكتروني ذو الصيت الذائع، "لنتا"، والذي اضطر إلى استبدال رئيس تحريره والعديد من صحافييه، بعد تحرير مخالفة بحق مالكه، بسبب تغطية الموقع للأزمة الأوكرانية. كثير من المراقبين اعتبروا أن إقفال أو قمع وسائل إعلام كهذه، يعني، موت صوت مستقل نادر في روسيا، والعالم في أمسّ الحاجة إليه اليوم، ليسمع وجهة نظر مختلفة عن حرب روسيا على أوكرانيا.
 
منذ انطلاقته قبل أربعة أعوام، كان "ريين" التلفزيون الأكثر إستقلالية في روسيا، لكنه الأكثر كرهاً من قبل السلطة التي إنتظرت مطولاً وقوعه في "فخ" ما. وها هو، في بداية العام، يطلق استفتاء يسأل فيه المشاهدين إن كان على الروس الاستسلام للنازيين في الحرب العالمية الثانية عندما حاصروا لينينغراد (سانت بطرسبورغ حالياً)، لإنقاذ حياة السكان الواقعين تحت الحصار الذي استمر سنوات ثلاث. وكون الروس يعتبرون أزمة الحصار نوعاً من الصمود الذي يفاخرون به، فإن سؤال "ريين" بحد ذاته تدنيس لذكرى الحرب العظمى (كما يسمون الحرب العالمية الثانية) وهو كاف لتفتح عليه أبواب جهنم. 
 
ورغم إلغاء التلفزيون وإيقافه استطلاع الرأي، بعد نصف ساعة فقط من إطلاقه، واعتذاره عما أسماه "السؤال غير اللائق". لكن، منذ تلك اللحظة، خسر "ريين" ثمانين في المئة من تمويله، وأزيل من شبكات العديد من موزعي القنوات. وأعلنت مديرة القناة، ناتاليا سنديافا، أن "ريين" لن تستطيع الاستمرار طويلاً بسبب غياب التمويل والاعلانات. بدوره قال نائب رئيس تحرير "ريين"، تيخون دزيادوكو، لـ"الغارديان" إن "التلفزيون تعرض لضغوط هائلة بهدف إغلاقه، فالسلطة الروسية الحالية تعتبر أن الدور الأساسي لوسائل الإعلام يتلخص في كونها أبواق للدعاية، وبمعنى آخر، لا مكان في ظل هذا التفكير لوسائل إعلام مستقلة مثل تلفزيون ريين، ولا مكان لي ولزملائي".
 
يبدو كلام دزيادوكو مبالغاً فيه، بالنسبة إلى مقدم البرامج الروسي، ديمتري كيسليف. الأخير، الذي شملته عقوبات الإتحاد الأوروبي وأدرج مؤخراً في قائمته السوداء لاعتباره من المروجين للرئيس بوتين، يرى أن "روسيا أصبحت الآن تحترم حرية التعبير أكثر من الغرب"، بل ويجزم بأن "السلطات الروسية تفسح للصحافة الحرية المطلقة في تغطية ومعالجة المواضيع الحساسة من دون أي عقبات".
لكن دزيادوكو يرى أن كيسليف هو رمز الصحافة الروسية الجديدة، أي صحافة "البروباغندا" التي لا تهتم لمعارضة السلطة أو انتقاد سياستها.
 
أما أزمة موقع "لنتا"فبدأت مع نشره، في أول آذار/مارس المنصرم، مقابلة مع أندريه تاراسينكو، قائد حركة "القطاع الأيمن" القومية الأوكرانية المتشددة، التي دعمت وشاركت في إطاحة الرئيس الأوكراني السابق فيكتور يانوكوفيتش. وطبعاً، لم يمض وقت طويل قبل أن تتخذ الـسلطة المشرفة على الإعلام Roskomnadzor إجراءات ضد الموقع واتهمته بنشر محتوى "متطرف".
 
وفي اليوم نفسه، طرد رئيسة تحرير الموقع غالينا تيموشينكو، ومديرته العامة يوليا مايندر. بدوره أكد فريق تحرير الموقع في بيان أن مالك الشركة الأم، الرجل النافذ والذي تربطه علاقات وثيقة ببوتين، ألكسندر ماموت، هو وراء هذه الإقالات.
 وبمجرد أن تم طرد تيمشينكو، تقدم 39 صحافياً في المؤسسة باستقالاتهم، واستُبدلت تيموشينكو بألكسي غوريسلافسكي، المعروف بولائه للحكومة الروسية.
 
وكان بوتين قد وقع، في كانون الثاني/يناير الماضي، على مرسوم يقضي بإغلاق وكالة نوفوستي الروسية، والتي رغم أنها مملوكة للدولة، إلا أنها تتمتع بهامش حرية لافت، مقارنة بوسائل الإعلام الرسمية، ولهذا كانت تهمتها الرئيسية: الاستقلالية ونشرها أخباراً عن مواضيع حساسة كالاعتصامات المناهضة للحكومة. واستبدلت الوكالة بأخرى تدعى "سيغودنيا" أو- روسيا اليوم. وكذلك، في تشرين الثاني/اكتوبر 2013 استبدل المدير العام للراديو الليبرالي العريق "صدى روسيا" - EKkho Moskvy، يوري فيديتينوف، بمدير آخر من القطاع الرسمي، وذلك بعد اتهامه بنشر محتوى متطرف، مثل إعادة نشر تدوينة للمعارض الروسي ألكسي نافالني، في موقعه. وكانت السلطات الروسية قد حجبت موقع راديو  "صدى روسيا" إلى حين إزالة تدوينة نافالني.
 
وكانت ممثلة "لجنة حماية الصحافيين" نينا أوغنينوفا قد دانت قمع ومنع مصادر المعلومات البديلة في روسيا، ورفضت ما أسمته "تطهير السلطات الروسية للإعلام المستقل، في ممارسة شبيهة بممارسات الإتحاد السوفياتي".
 
كلما بحث المرء في حال الحريات في روسيا، وجد أن السلطات تعمل منذ وقت طويل على تقييدها تدريجياً، وكل المؤسسات المستقلة كانت موجودة فقط لأن السلطات لم تجد الفرصة المناسبة لقمعها وكبت صوتها الحر وانتقاداتها لأداء السلطة. وها هي الحرب الأوكرانية، وقبلها الألعاب الأولمبية، تعطي الفرصة للكرملين للتضييق على الصوت المستقل بحجة "تهديد الأمن القومي" وبث أخبار متطرفة، وبالتالي خرق القانون الذي أقرته روسيا العام 2012 ويسمح للسلطات بحجب وإقفال أي موقع ينشر محتوى "متطرفاً" من دون استشارة القضاء المتخصص. 
 
يعيش تلفزيون "ريين" المستقل أياماً عصيبة بعد تعرضه لضغوط هائلة ومقاطعة المعلنين وموزعي الكابل له
0.jpg
increase حجم الخط decrease