الأربعاء 2014/04/16

آخر تحديث: 05:42 (بيروت)

ملامح ربيع لبناني

الأربعاء 2014/04/16
increase حجم الخط decrease
 مرة أخرى اثبت الحلف السياسي - الاقتصادي الذي انقلب على سلسلة الرتب والرواتب في مجلس النواب، ليل الثلاثاء الاسود، انه
 ماكر، منظم ، متماسك اكثر من الفريق العمالي الذي يواجهه.
سبق لهذا الحلف ان برهن في العقدين الماضيين على تفوقه عندما حطم الاتحادات والنقابات العمالية، وتمكن من الفصل بين القطاعات العمالية، واستطاع التمييز بين فئاتها. وهو يرجو ان يتحول النزاع الاجتماعي بين فريقي الانتاج الى صراع بين النقابيين والعمال انفسهم. 
لكنه كان ولا يزال يمكن ان يخطىء وان يتهور وان ينهزم في معركة مطلبية جدية. 
حقق الحلف نصرا واضحا في معركته الاخيرة مع هيئة التنسيق النقابية. حصل على هدنة، او ما يشبه استراحة المحاربين. المؤكد انه اراد ان يضع الموظفين والاساتذة في وجه بقية القطاعات والفئات، بل في وجه المجتمع كله. بكلمة أخرى، قرر نقل المعركة الى ساحة أخرى، عله يتفادى اشتعالها في صفوفه، بعدما لاحت في الايام الماضية بوادر اشتباك بين الحلفاء الاقوياء، قد يبدو هامشيا ، لكنه يمثل أول اختراق من نوعه لصفوف ذلك الحلف، وويمس أحد ابرز اعضائه، اي المصارف التي تشبه المعابد المحرمة، وتحقق أرباحا استثنائية منافية لاي منطق اقتصادي. 
هزت المعركة الاخيرة دعائم ذلك الحلف، الذي يمثل عصب النظام اللبناني وجوهره الفعلي. قدمت مجددا الدليل على اقصر الطرق وأسلمها لاسقاط ذلك النظام، التي لم يسلكها احد في الماضي، بل اختار الجميع طرقا ملتوية، غير سلمية وغير عمالية طبعا، ساهمت في تكريسه كواحد من اقوى الانظمة العربية على الاطلاق، واشدها رسوخاً.
لم تكن معركة سياسية ولن تكون. تُظلم الحركة العمالية الناشطة هذه الايام اذا ما ربطت باي من المعارك السياسية التي يشهدها البلد. وتتعرض لمهانة شديدة اذا ما تم لصقها مثلا بمعركة رئاسة الجمهورية، التي كانت وستبقى معركة صالونات سياسية، اكثر مما هي معركة خيارات سياسية، يمكن ان يكون للعمال او النقابات نصيب منها او حتى دور في بلورتها. 
التجاوب الشعبي مع هيئة التنسيق كان ولا يزال ضعيفا، لكن التعاطف قوي جدا مع مطالبها،فقط لانها تمثل بادرة متواضعة نحو تحدي كهنة النظام، واختبار العلاقة الحميمة بينهم ، والقائمة على التواطوء التاريخي الذي يختصر بمقولة ان لبنان المبني على اسوأ قطاع عام وانجح قطاع خاص يمكن ان يقاوم ويصمد.. بغض النظر عن تجربة الحرب الاهلية وما انتجته من "قطاعات خاصة" حلت محل الدولة وصادرت دورها، ولا تزال تصادره.  
مجددا يسجل لهيئة التنسيق انها اخضعت الوحدة الوطنية لاختبار ناجح، برغم انه اختبار قطاعي مؤقت، لا يمكن ان يشمل مختلف القطاعات العمالية، وبالتالي لن يدوم طويلا، برغم انه يمثل غالبية اجتماعية ساحقة.. لا يمكن لأحد ان يزعم انها تخلت بالفعل عن هوياتها الطائفية العميقة، لكنها شعرت بالحاجة الى تنحيتها جانبا ، وقررت ان تمضي قدما في احتجاجات واضرابات يمكن ان تكسب البلد كله مناعة لا يوفرها اي حزب او تيار سياسي، او اي برنامج حكم ، وتمنحه سمعة تليق بطبقته الوسطى المميزة ، التي تحدد معاييرها وتفرض جدول اعمالها بالخاص الان بناء على ثنائية وحيدة: هي النزاع بين السلطة والاهالي، او ما كان يسمى بالصراع الطبقي. 
مع هيئة التنسيق لا خوف على الامن، ولا على الاقتصاد، ولا على السياسة طبعا. التظاهرات والاضرابات التي كانت جزءاً من تكوين البلد وتقاليده.. هي الان، العنوان الوحيد المتبقي لاصلاح النظام، وربما الامل الوحيد بربيع لبناني ما زال بعيدا جدا، لكنه ملحٌ اليوم اكثر من اي وقت مضى، قبل ان يهدم الهيكل على رؤوس الجميع. 
 
increase حجم الخط decrease