الأربعاء 2014/04/23

آخر تحديث: 23:27 (بيروت)

جماعات المصالح والسياسة العامة: صفر مشاكل

الأربعاء 2014/04/23
جماعات المصالح والسياسة العامة: صفر مشاكل
الهيئات الإقتصادية أكبر وأقوى لوبي في لبنان (علي علوش)
increase حجم الخط decrease
 قليلة هي، أو بالأحرى معدومة، الدراسات التي تتناول تأثير الرأي العام اللبناني في صناعة السياسات العامة. ولعلّ مأزق الحركة النقابية في لبنان، خلال مسيرتها الطويلة من الإعتصامات والإضرابات الشاملة، هو هنا، أي في آليات صنع القرار بالتحديد، والتي يفترض بها أن تأتي إستجابة للحاجات العامة. 
يمكن القول وبلا تردّد ان آلية صنع القرار في بلد كلبنان محكوم بنظام سياسيّ - طائفي محصّنة تماماً ضد الإستجابة لمصالح العدد الأكبر من اللبنانيين العاديين، غير المحسوبين على "النخبة الإقتصادية" أو على "جماعات المصالح" المرتبطة بمشاريع الأعمال. 
هي بالأحرى آلية من نوع خاص، مصمّمة حصراً لتحقيق مصالح أقلية صغيرة من اللبنانيين، ولا تخضع لأي إعتبار نفعي عام. على ان الأهم من ذلك كلّه أن توجيه السياسة العامة في هذا الإتجاه الأقلوي لا يجعل راسميها عرضة للمساءلة الشعبية. ربّما، العكس أًصح. 
في كل حال، إذا كانت العلوم الإجتماعية اللبنانية خالية من أي دراسة ذات قيمة، تتناول كيفية صنع السياسة في هذا البلد، فلا شيء يمنع استخدام مفاهيم وأدوات تحليلية مستقاة من تجارب مجتمعات أخرى، لكنها في التحليل الأخير، ذات طابع عام. 
إذ قبل أيام صدرت دراسة لكل من مارتين جيلينز في جامعة برينستون وبانجامين أي بايج في جامعة نورسويسترن تتناول "إختبار نظريات السياسة الأميركية: النخب وجماعات المصالح والمواطنون العاديون". وقد فتحت صحيفة الـ"نيويورك تايمز" صفحة الرأي لديها يوم الإثنين الفائت لنقاشها. 
تقسّم الدراسة النظريات حول الموضوع إلى أربع فئات: الديموقراطية الإنتخابية الأكثرية، هيمنة النخب الإقتصادية، تعددية الأغلبية، والتعددية المنحازة. 
في النظرية الأولى، تكون سياسة الحكومة استجابة للإرادة الجماعية للمواطنين العاديين، الذين يحوزون سلطة مكينة من خلال الإنتخابات الديموقراطية. 
في الثانية، تقول الدراسة أن عملية صنع القرار مهيمن عليها من قبل أفراد يحوزون موارد إقتصادية كبيرة، كمستويات مرتفعة من الدخل أو الثروة، من ضمنها، من دون أن تكون مقيدة بها، ملكية شركات تجارية.  
أمّا النظرية الثالثة التي يصفها المؤلفان بالغموض، فهي تتضمن الأحزاب السياسية والأغلبيات الشعبية، فضلاً عن جماعات المصالح المنظمة ومشاريع الأعمال والقطاعات الصناعية. وتكون السياسة هنا نتيجة الصراع بين هذه الجماعات. غير أنها تلحظ تأثيراً طفيفاً للمواطنين العاديين، في حين ان التأثير المستقل والجوهري لجماعات المصالح.
النظرية الرابعة إسم على مسمّى. فهي تلحظ تأثيراً مستقلاً وجوهرياً لجماعات المصالح المتمحورة حول الشركات وغيرها من مشاريع الأعمال، بالتلازم مع تأثير طفيف لجماعات المصالح الأخرى كافة، مع إنعدام أو صعف تأثير المواطنين العاديين والنخب الإقتصادية. 
هنا، وبحسب الدراسة، تكون الهيئات التنظيمية ممسوكة من قبل الخاضعين للتنظيمات. كما تثبت الدراسة أن غالبية جماعات المصالح الأميركية واللوبيات مرتبطة بمشاريع الأعمال، والقليل جداً منها نسبياً تعبّر عن الفقراء، أو حتى المصالح الإقتصادية للعمال العاديين.  
عموماً، تقول الدراسة أن أدلّتها تشي بقوّة أن نظريات التعددية المنحازة (أي المتمحورة حول مصالح الأغنياء) تصف الواقع السياسي بدقة أكبر من نظريات تعددية الأغلبية وغيرها. كما تلفت الإنتباه إلى ان جماعات المصالح ككل لا تسعى وراء السياسات عينها التي يسعى وراءها المواطنون العاديون، مشيرة إلى أن جماعات المصالح التي تعبّر عن جمهور عريض لديها تأثير جماعي ضعيف على السياسة العامة مقارنة مع جماعات المصالح البزنسية.
لكن هل يعني ذلك أن السياسات العامة لا تخاطب المواطنين العاديين البتة؟
هنا تشرح الدراسة أن ما تقدم لا يعني ان المواطنين العاديين يخسرون دوماً، ففي كثير من الأحيان ينالون السياسات المفضّلة من قبلهم، لكن لأن هذه السياسات بالتحديد صودف تفضيلها من قبل النخبة الإقتصادية التي تملك التأثير الفعلي. 
في الولايات المتحدة الأميركية، تخلص الدراسة، "الأكثرية لا تحكم". 
من شأن أن ما تقدّم أن يعيد الإعتبار للرقم الذي نشرته مجلة "الإكسكيوتيف" في تشرين الاول الماضي نقلاً عن تقرير "كتاب الثروات العالمي للعام 2013" الصادر عن "بنك كريدي سويس". فقد كشف التقرير  أن "8900 لبناني، أي 0.3% فقط من مجمل عدد سكان لبنان، يتحكمون بـ48% من الثروات الخاصة في البلد، فيما تتحكم النسبة العظمى من السكان والبالغة 99.7% بنحو 52% من ثروات البلاد البالغة 91 مليار دولار". فضلاً عن كون لبنان يأتي في المركز الرابع عالمياً بعد روسيا وأوكرانيا وكازاخستان من حيث عدم المساواة في توزيع الثروة بين السكان.  
هذا الرقم مقروناً بنتائج الدراسة أعلاه يظهر بما لا يرقى إليه الشك أن تأثير الرأي العام اللبناني في صناعة السياسات الإقتصادية يكون يكون صفراً مقارنة مع تأثير النخب الإقتصادية وجماعات المصالح المتمحورة حول مشاريع الأعمال والمتمثلة بالهيئات الإقتصادية. ومعنى هذا أن لبنان قريب الشبه جداً إلى نموذج التعددية المنحازة المذكور أعلاه، مع إضافة نوعية تتمثل بالإندماج الكامل تقريباً بين مصالح كل أجنحة السلطة السياسية - الطائفية وبين المصالح الإقتصادية للفئات العليا من الهرم الإجتماعي.
وهذا هو المعنى العملي لمأزق هيئة التنسيق النقابية، المتمثل بمناعة النظام اللبناني حيال كل التأثيرات ذات الصلة بالمواطنين العاديين، الفقراء والعمّال على السواء. الأمر الذي يترتب عليه تعميق الفوارق الإجتماعية بشكل مخيف بين مختلف فئات المجتمع اللبناني، ومن دون خوف من أي مساءلة شعبية لا تقوم على إمكانها دلائل وافرة. 
صفوة القول، إن الفوارق هذه نتيجة حتمية للا مساواة على مستوى تأثير مختلف الفئات في صناعة السياسة العامة. اللا مساواة السياسية، كما قال أحد المعلقين على الدراسة، أساس اللا مساواة الإقتصادية. البداية الحقيقية للتغيير سرّها هنا.     
  
 
increase حجم الخط decrease