الأربعاء 2014/04/23

آخر تحديث: 01:14 (بيروت)

تحت أقدام الفيل الأزرق

الأربعاء 2014/04/23
تحت أقدام الفيل الأزرق
الروائي المصري أحمد مراد
increase حجم الخط decrease
كل قائمة قصيرة تعلن عنها الجائزة العالمية للرواية العربية "البوكر" منذ انطلاقها العام 2007، تثير جدلاً وغباراً.. لماذا ترشحت رواية ولم تترشح أخرى؟ وما بين إعلاني القائمة القصيرة، والفائز، تخمينات وتوقعات تحمل أهواء وحسابات ثقافية.. وسياسية ربما.
علماً أن إعلان الرواية الفائزة بجائزة البوكر العربية 2014 ستعلن في 29 نيسان/أبريل الجاري.
 
هذا العام جاء الجدل بنكهة مختلفة، يبعث سؤالاً لا يكاد يخبو إلا وتتأجج جذوته مرة أخرى. شرارة انطلاقه كانت مع إعلان القائمة الطويلة للجائزة، وبروز رواية "الفيل الأزرق" للروائي المصري الشاب أحمد مراد من بين الأعمال المرشحة، والتي صعدت أيضاً إلى القائمة القصيرة للبوكر 2014. سؤال "القيمة الأدبية" والاستنكار الذي نبت في الصفحات الثقافية –المصرية تحديداً- وعلى صفحات فايسبوك وتويتر: لماذا "الفيل الأزرق"؟ علت الأصوات الرافضة لوجود الرواية بين روايات لأدباء مكرسين، وانهالت المناقشات حول جدوى ترشيح رواية "pop" ذات مبيعات عالية، بين أعمال "فنية".. عادت الثنائية القديمة "بوب-أرتيستيك" إلى الجدال، وما بين مدافع خجول ورافض عنيف، أصبحت "الفيل الأزرق" في قلب المشهد الثقافي، رغم تجاهلها المتعمد من قبل المعنيين بحركة الأدب لمثل هذه الروايات التي تنفد طبعاتها من الأسواق. 
 
جيل الستينات الروائي المصري وأقانيمه كانوا خط الدفاع الأول ضد ترشح مراد. تحفظ يوسف القعيد مثلاً، رغم الشوفينية التي جعلته يعتبر أن مراد "يمثل مصر"، واستنكر محمد العون الترشح من أساسه، مقصياً "أدب الجريمة"، بحسب تعبيره، من الأنواع التي ترقى إلى هذا النوع من الجوائز. في حين دافع خالد البري، في حسابه الخاص في فايسبوك، عن ترشح نوع جديد من الكتابة لجائزة رفيعة المستوى. وساهم هذا الجدل في زيادة توزيع الرواية التي تتصدر قوائم "الأكثر مبيعاً" في الأساس. لكن، هذه المرة، بترقب من كهنة الوسط الأدبي والمثقفين، بوصفهم جماعة وظيفية مغلقة على نفسها.
 
تحمل "الفيل الأزرق" طابعاً بوليسياً مع لمحة رعب. تشابه في بنائها روايات الأميركي ستيفن كينغ، وعلى طريقة أحمد خالد توفيق - روائي الشباب ذائع الصيت وصاحب سلسلة "ما وراء الطبيعة". تحمل طموحاً سينمائياً واضحاً بتفاصيلها البصرية، وطبيعة التشويق المبثوث في صفحاتها: طبيب نفسي شاب "يحيى"، قضت زوجته وابنته في حادث، فهجر حياته وصار سكيراً مقامراً، إلى أن قرر العودة إلى عمله وحياته، فتشاء الصدفة أن يلتقي بزميل دراسة قديم من نزلاء المستشفى ومتهم بقتل زوجته ومصاب بخليط مركب من الأمراض العقلية على رأسها الفصام. يكرس "يحيى" حياته لمعرفة حقيقة جريمة القتل، فيلتقي بحبيبته القديمة، ويدخل في صراع مع الشيطان الذي تلبس صديقه وضيّع حياته. وبالطبع تفضي الرواية إلى نهاية مفتوحة، تناسب جو "حبس الأنفاس" الذي يتميز به هذا النوع.. لكن ما الجديد الذي تقدمه الرواية؟
 
هل سيكون تجاوزاً إذا قلنا: لا جديد؟! "كولاج" من مئات الأفلام الرعب والتشويق الأميركية، وكأن لسان حال صاحبها يقول أن هذا العمل مقدم خصيصاً ليتحول إلى عمل سينمائي. وبالفعل، انتهى المخرج مروان حامد من تصوير الفيلم المأخوذ عن الرواية، ببطولة كريم عبد العزيز وخالد الصاوي، وسيناريو مراد ذاته.

item_XL_5746667_2922452.jpg
 
أصحاب الخبرة في التشويق الأميركي سيتوقعون بلا شك صيرورة الأحداث في عمل تجاوز ثلاثمئة صفحة. غير أن الفلتر الأخلاقي الذي ألزم نفسه بهن جعله ينأى عن كتابة السباب في الحوار بين أبطاله، ليكتب مثلاً ملاحظةك "تم حذف الإجابة لاحتوائها على تلميح جنسي لا يناسب الذوق العام". الذوق العام شغل شاغل لمراد في كتابة الرواية، ما جعله يختار الأخلاق على حساب الضرورة الروائية، يكتب وعينه على الآلاف الذين سيقرأون روايته.
 
يعتمد مراد –تماماً كأفلام التشويق- على البناء والحبكة. تطور الشخصيات وعمقها الإنساني خارج حسابات العمل، والاعتماد على سؤال: ما الذي سيحدث بعد؟ التلهف لمعرفة الآتي، "page turner" أو قلاّب صفحات كما يسمى هذا النوع.
 
المشكلة ليست في ثنائية "البوب" في مواجهة الراقي. وغني عن القول أن "البوب" ليس بالضرور نقيضاً للفني، بل هو عمل يحقق الحد الأدنى من الإشباع الأدبي ليكسب جمهوراً يريد متعة جاهزة، والبعد عن التجريب والخوض في الطريق الآمنة للانتشار. أدب "البوب" في أميركا مثلاً يحوي اسماً مثل بول أوستر، الذي خاض فيه مسارات وفتح فضاءات جديدة.. من خارج النظرة الضيقة لأدب "البوب" والحكم المتعالي عليه، تكرس الرواية العمل "الميديوكر" والقارئ "الميديوكر" الذي يريد شراً واضحاً يمكن التغلب عليه، وطيبة واضحة تحارب الشر وتنتصر، ويصبح الجميع سعداء.
 
أما بالنسبة إلى الجائزة العالمية للرواية العربية في نسختها السابعة، وقد صارت الجائزة الروائية الأهم في العالم العربي، يطيب للبعض النظر إليها على أنها تشابه كثيراً برامج "arabs got talent" و"arab idol" ومثلها من البرامج التي تم تعريبها ومحاكاتها بصرامة عجيبة. البوكر، ذات المصداقية الكبيرة في بريطانيا والدول الناطقة بالإنجليزية، لا تملك مثيلتها في العالم العربي. فالبوكر الإنجليزية ارتبطت في انطلاقتها الأولى، العام 1968، برغبة اتحاد الناشرين البريطانيين في تجاوز الركود الذي عرفته حينها مبيعاتهم من الرواية، في حين ازدهر المسرح. فقرر الناشرون إطلاق حملة إعلامية لترويج قراءة الرواية، ولم تكن هناك وسيلة أفضل من الإعلان عن جائزة، يرشح لها كل ناشر رواية من إصداراته، وتنظم حول الفائز بها "حملة إعلامية وتسويقية كبيرة". لذلك، تم التعاقد مع ممول ألحق اسم شركته باسم الجائزة. ويذكر أنه تم تغيير اسم ممول الجائزة، بعد النجاح الذي عرفته، فبات Man Booker ، وهي "شركة إمدادات غذائية" تشف عن "شغف رجال الأعمال بتشجيع الثقافة والدعاية لشركاتهم من طريقها".
 
الناقد المصري صبري حافظ كان عنيفا في نقده للجائزة ولتركيبة مجلس أمنائها، منذ إعلان تأسيسها، لأن "الممارسات الثقافية هي بنت سياقاتها وتواريخها الثقافية". لذلك، فإن شرط منح الناشر حق ترشيح الروايات، هو "ابن تاريخ جائزة البوكر الإنجليزية، ويكشف عن جهل منظمي الجائزة بالواقع العربي المغاير كليةً لنظيره الإنجليزي، والذي لا يؤدي فيه الناشر العربي دوراً مشابهاً للناشر الإنجليزي". 
ورغم الهوس الكولونيالي الذي يتضمنه رأي حافظ، فكلامه يدفعنا إلى سؤال: لماذا لا تتغير شروط ترشيح الروايات بناء على الظرف الثقافي العربي؟ وفي ظل شبه احتكار الناشر للامتيازات المادية والأدبية للأعمال التي ينشرها، ومع الرواج اللافت للرواية كنوع أدبي وسط انحسار أنواع أخرى، كالقصص القصيرة والشعر؟ ولماذا لا توسع الجائزة مجالاتها لأنواع أدبية أخرى، بهدف ترويجها، مثلما كان هدف منشئي الجائزة الأنجلوساكسونية؟ 
 
وأخيراً.. إذا فاز مراد بالجائزة، فهل سيكون ذلك حكماً بالموت تحت أقدام الفيل الأزرق؟ هذا ما ستكشفه الأيام المقبلة.
 
increase حجم الخط decrease